هزّ قرار المحكمة الجنائية الدولية والذي قضى بإصدار مذكرتي إعتقال بحقّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الحرب السابق يوهاف عالانت المجتمع الدولي خصوصا وأنه أتى في لحظة مفصليّة تخوض فيها اسرائيل حربها الوجودية بحسب ما تزعم وفي لحظة حساسة في خضم الصراع العربي الاسرائيلي والصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ويبقى الأهمّ في هذا القرار هو مفاعيله وتأثيره وإمكانية تطبيقه....
تأسيس المحكمة الجنائية الدولية
تأسست المحكمة الجنائية الدولية بموجب معاهدة إتفاقية روما وتختص بالنظر بجرائم الحرب وضد الانسانية والعدوان والابادة الجماعية ومركزها في لاهاي وانضم لها 124 دولة ليس بينها اسرائيل ولكن تستطيع ان تعلن اختصتصها بحالة جرائم الحرب إذا الجرائم حصلت على ارض دولة عضو وفلسطين هي عضو بنظام روما. ويشير الخبير القانوني الدكتور عادل يمين أنه "وعلى هذا الاساس تم ربط الاختصاص بالمحكمة الجنائية الدولة، خصوصا ان المدعي العام في المحكمة كان طلب في ايار الماضي ملاحقة نتانياهو وغالانت و تم اصدار مذكرتي اعتقال بحقهما بعد تجاوب الدائرة التمهيدية في المحكمة مع تحريك الدعوى من قبل المدعي العام وتم اصدار مذكرتي الاعتقال". بدوره يرى استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية جمال واكيم أن "اسرائيل لا تعير الاهتمام سوى للولايات المتحدة، يبقى البعد المعنوي الا وهو تصوير نتانياهو وغالانت على أنهما مجرمي حرب لأنهم بنوا جرائهم على أن "اليهود" تعرضوا للظلم في الحرب العالمية وعندما يتم تصنيفهم هكذا فهذا يعني أنهم صنفوا بنفس منزلة المجرمين الذين بنوا عليهم نظريتهم".
المفاعيل السياسية للقرار
هذا من ناحية المفهوم، أما في المضمون فيبقى لهذا القرار مفاعيله من الناحيتين السياسية والقانونية. إذا يشرح الاستاذ في القانون الدولي والخبير السابق لدى المنظمات الدولية الدكتور حسن جوني أن "إسرائيل تعتبر نفسها ضحيّة كلّ الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الثالثة والمسؤولين الاسرائيليين يعتبرون أنفسهم أنهم لديهم تاريخ ضدّ النازية والفاشية ولازالوا يتاجرون بهذا الموضوع، إضافة الى ذلك ما حصل بين الحركة الصهيونية وهتلر في العام 1933 تحت مسمّى اتفاق "هافارا" حيث نجد الختم الصهيوني والختم النازي. وبالتالي أهميّة هذا القرار ان المسؤولين الاسرائيليين يعتبرون أنفسهم أكثر جنيس أخلاقي وهذه النظرية، تبعا للقرار الذي صدر، قد ضُربت وهم اليوم متهمون بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ".
ويضيف الدكتور جوني: "هذا القرار جاء أيضا في توقيت حساس وفي اطار الحرب الوجودية لاسرائيل من هنا تجرأت المحكمة على اتخاذ هذا القرار في ظل وجود التحركات الشعبية الاوروبية التي تدين ما تقوم اسرائيل"، مؤكدا أن "لهذا القرار نتائج كبيرة على مستوى العلاقات بين الدول بحيث اصبحت اسرائيل منبوذة على صعيد علاقاتها الدولية". مشيرا الى أن "هذا القرار يجول على مستوى العلاقات مع اسرائيل، بالمختصر هزّ القرار صورة اسرائيل أمام العالم".
المفاعيل القانونية
لهذا القرار أيضاً مفاعيل على المستوى القانوني، والسؤال الأبرز الذي يُطرح هل فعلاً يُمكن بالقانون اعتقال نتانياهو وغالانت؟. لا يخفي الدكتور جوني أن "أهمية هذا القرار أن نتانياهو وغالانت أصبحا هاربين من العدالة ما يعني أنهما متهمين الى حين يثبت العكس وعليهما المثول أمام المحاكمة، إلا أن المادة 27 من نظام المحكمة ينصّ أنه لا يعتاد بالصفة الرسميّة، سواء أكان رئيس جمهورية أو رئيس حكومة أو وزير خارجية أو سفير متعلقة بالحصانات، إلا أنه هناك مفهوم خاطئ للمادة". إذ يؤكد أن "هذه المادة لا يُمكن أن تكون في نص اتفاقية أو معاهدة دولية تنتهك معاهدة أخرى ذات عُرف دولي أي معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 والتي تحمي الحصانات، لذلك هناك في نفس نظام المحكمة مادة تنصّ بأنه لا يحقّ للمحكمة أو لا يجوز للمحكمة أن تطلب تسليم شخص يتمتّع بالحصانة وهنا نميز بين نتانياهو الذي يتمتع بالحصانة وإذا سافر الى أي دولة من 124 لا يُمكن تسليمه وبين غالانت الذي فقد الحصانة وبالتالي يُمكن تسليمه من أي دولة ويُمكن للمحكمة أن تطلب تسليمه".
ماذا يعني ذلك؟
بالمختصر، يشدّد الدكتور جوني على أن "نتانياهو يستطيع التهرّب من العدالة وهذا لا يعني أن هناك تبرئة بحقه بل يعني أنه هارب من العدالة ويختبئ خلف حصانته ولكن من الناحية المعنويّة وطالما يعيش على هذه الارض سيبقى المجرم الذي ارتكب جرائم ضدّ الإنسانية"، لافتاً الى أن "رئيس الوزراء الاسرائيلي سيبقى ملاحقاً أمام القضاء الدولي بإنتظار سقوط الحصانة عنه وعندها سيلاحق بنفس الجرائم أمام القضاء الاسرائيلي لأن نظام المحكمة الجنائية الدولية تكاملي مبنيّ على مبدأ "حاكم" أو "سَلّم"، فهل سيتجرأ القضاء الاسرائيلي على اتهام نتانياهو بإرتكاب هذه الجرائم؟ بعد سقوط الحصانة عنه؟".
إذاً وبإنتظار سقوط حصانة نتانياهو يبقى مجرم الحرب الذي يلاحق أمام القضاء الدولي دون إمكانية اعتقاله بحسب القانون ... وبعد هذا القرار تتجه القرار الى ما بعد خروج نتانياهو من الحكم.